ميدو مشاكل نــجـــم الــمــنـــتـــــدى
عدد الرسائل : 454 العمر : 35 Losiris : نيوتن تاريخ التسجيل : 05/03/2007
| موضوع: قصة انسانية جدا الجمعة مارس 09, 2007 4:51 pm | |
| "كنت أسمع تلك الخطوات.. كنت أسمعها كل ليلة"
* * *
زوجتي كانت امرأة طيبة.. تزوجتها بعد قصة حب مراهقة.. انتهت بأن أصبحت زوجتي، وانتهى الحب بأن أصبحنا صديقين يخوضان متاعب الحياة معًا.. ثم رُزِقنا بـ"رنا" لتضيف إلى حياتنا معنى جديدًا.. معنى جميلاً..
كانت "رنا" تتمتع بجمال ملائكي لا أعرف ممّن ورثته، وكانت كل ضحكة تطلقها، تغسل هموم اليوم كله، وتمنحني سببًا جديدًا للاستمرار... تمر علينا السنوات وتكبر "رنا"...
ها أنا الآن أراها فتاة صغيرة، تعود من المدرسة بمفردها، تحمل حقيبتها الصغيرة وتبتسم وهي تحكي لنا عن يومها... ويمر الزمن كعادته...
تكبر هي ونكبر نحن... يأخذ منا الزمن ويعطيها... ابنتي الآن على أعتاب المراهقة والجامعة... فاتنة كأميرة... رقيقة كندف الثلج... وهي تحب...! أنا أعرف هذا وأدركه جيدًا.. أسمعها تتنهد... أراها تحلم... أشعر بها طيلة الوقت...
لكنها لا تزال طفلة في نظري.. ولا تزال في السادسة عشرة من العمر في نظر المجتمع.. فأي نهاية تنتظرها لقصة الحب هذه؟
إن أفضل الافتراضات التي تملكها لن تتحقق إلا بعد سنوات طويلة، لذا حين جاءتني ذات ليلة، لتحدثني عن ذلك الذي اسمه "رامي" حاولت شرح هذا كله لها...
حاولت وحاولت وحاولت... فكانت النتيجة: - إذا لم تزوجني من "رامي"... سأنتحر!
تقولها هي بصوت لم أسمعه منها من قبل، فتتحرك ذراعي لتطبع صفعة مدوية على وجهها... أول وآخر صفعة لها...
تتجمع الدماء في وجهها وعينيها وفي قلبي... وتتركني لتنفجر في البكاء في غرفتها، بينما أقف أنا جامدًا، لا أصدق ما اقترفته يداي...
لابأس.. ستبكي قليلاً ثم ستنسى الموضوع كله.. إنها مراهقة، وكلنا مررنا بهذه الفترة وكلنا أجدت معنا الصفعات نفعًا...
لابأس... حين تستيقظ ستكون قد نسيت ذلك الذي اسمه "رامي"... أنا واثق من هذا...
لكن.. في تلك الليلة استيقظت على صراخ زوجتي... وقبل أن أصل إليها كان قلبي قد أخبرني بما حدث... لقد فعلتها...!
الآن أنا أقف في غرفة ابنتي... أصغي لصرخات زوجتي الهستيرية وهي تحتضن الجثة الغارقة في الدماء... لقد فعلتها...!
* * *
تدور الدنيا بي وأنا أرمق هذا المشهد، عاجزًا عن النطق وعن الحركة... الآن فقدت آخر سبب كان يدفعني للاستمرار... لقد فعلتها...
الآن، أتمنى لو أنني متّ ألف مرة، قبل أن أمنحها صفعة النهاية... الآن أرى تلك الورقة التي تعلقت بيدها... يدها التي خرجت من أوردتها المقطوعة دماء الحياة بلا رجعة...
" حبيبتي... لو فرقتنا الحياة، فعلى الموت أن يجمعنا إلى الأبد.... سأنتظرك.. إمّا في هذه الدنيا... أو في عالم الخلود...
"رامي"
يا للمراهقة... يا للمأساة! كلنا قرأنا "روميو وجوليت" في مرحلة من مراحل حياتنا، لكن... هل جربت أن تعيشها بنفسك؟! وفي أسوأ دور ممكن؟! أنا فعلت.. ودفعت الثمن..
* * *
لكن "رامي" لم يفعلها... هذا ما عرفت لاحقًا لا أحد في كلية ابنتي اسمه "رامي" انتحر... لم ينتحر أحد سوى ابنتي.. ابنتي أنا..
الوغد الجبان النذل لم يفعلها، لكنه ترك ابنتي تنزف حتى الموت وهي تردد اسمه... سيدفع الثمن.... أقسم أنه سيفعل...
* * *
هل جربت أن تقتل من قبل؟!... لا.. إذن اصغ إلي جيدًا أيها الساذج..
أول ما عليك فعله هو أن تدرس ضحيتك جيدًا، لتنتقي أنسب وقت ممكن لتنفيذ هذه المهمة القذرة، وبالقدر الكافي من الأناقة التي ستجعلك لا تترك دليلاً واحدًا يشير إليك...
هذه مهمة صعبة بالمناسبة، لكنها الضرورة... فلا يزال مشهد جثة ابنتي الغارقة في الدماء يطاردني كلما أغلقت عيني، ولم أعد أستطيع الاحتمال..
هناك مشكلة أخرى عليك أن تتجاوزها نفسيًا، وهي أنك ستقتل شخصًا... شخص يحب ويكره ويفكر ويضحك وينام ويحلم ويصيب ويخطئ... مثلك تمامًا... وكل هذا سينتهي على يديك...
أنت ستضع حدًا لحياته وربما لحياتك لو انكشف أمرك لذا عليك أن تفكر مليًا... أن تفكر طويلاً... بعدها سيتحول الأمر بالنسبة لك، مهمة عليك أن تنجزها، وسيتحول الشخص في مهمتك الرهيبة هذه إلى شيء تتخلص منه تماما ككتاب قديم مللت قراءته...
هكذا استغرقت في تفكير عميق، دام لأشهر طويلة، لم أخرج منه إلا لأدفن زوجتي التي ماتت حزنًا على ابنتها، لتنضم إليها في العالم الآخر، ولأتفرغ أنا لمهمتي الحتمية..
* * *
هنا يبدأ المرح الحقيقي... وهنا تتأكد حقيقة أن لكل مأساة جانب كوميدي قد يكون أكثر قسوة من المأساة ذاتها... "رامي" من؟!
عرفت أن في كلية ابنتي الراحلة أكثر من طالب يحمل هذا الاسم المقيت "رامي".. لكن من منهم على وجه التحديد الذي أعطى ابنتي الدفعة الأخيرة على حافة النهاية؟
هذا سؤال مهم.. هذا سؤال منطقي... هذا سؤال سيبرر للجميع موقفي حين أنفذ ما انتويت تنفيذه.. الحل إذن؟! هه.. لابد أنك استنتجته مبتسمًا... نعم... ستصبح كلية تجارة هذا العام بلا "رامي"... أي "رامي"!
* * *
شبح ابنتي يتجه تجاهي بلا ساقين والسكين في يدها لا يزال يقطر دمًا.. تردد بصوتها الحالم:
- أبي.. إنه أنا.. لكن لا.. سأركز.. سأركز.. نعم.. إنني الآن أتذكر.. أتذكر كيف قتلت أول "رامي"..
* * *
كان اسمه "رامي محمد".. كان عمره سبعة عشر عامًا.. كان في طريقه للمنزل..
كان يعيش في أحد الأحياء الفقيرة التي لم تسمع شوارعها لفظة (إضاءة) وكانت هذه النقطة في صالحي.. كان يحمل في يده تلك الأكياس البلاستيكية السوداء التي تشي بأن الفاكهة هي محتواها، و كان هذا لحسن حظي، فهذا لن يعيطه فرصة للمقاومة وأنا لست بالشاب الفتيّ لأصارعه..
كان يمرّمن جواري وكله طمأنينة، فمن الذي يقلق من عجوز مثلي يسير بمفرده في ظلام الطريق؟.. لكنه شعر.. في تلك اللحظة الأخيرة في عمره وبعد أن تجاوزني بخطوتين شعر بشيء ما، واستدار تجاهي ليجد يدي تغرس السكين لآخره في صدره، بينما يدي الأخرى تكمم فمه لتمنعه من الصراخ..
لثوان تجمدت عيناه الجاحظتان على نظرة مزجت الهلع بالدهشة بالغضب بالألم، ثم تراخت يداه لتسقط الأكياس من يده، قبل أن يسقط هو كصخرة..
هكذا يموت الإنسان.. تخرج الروح ولا يتبقى سوى جسد سيبلى في التراب.. هكذا لم يعد هناك "رامي محمد".. فقط جثة غارقة في الدماء..
أمّا أنا فكنت قد أخذت كمًا من الحبوب المهدئة منعني من الذعر.. نعم لقد قتلت إنسانًا، لكني لن أستوعب هذه الحقيقة حتى أعود إلى منزلي..
الآن أستعيد السكين لأدسه في ملابسي وأبتعد بسرعة دون أن يشعر بي أحد.. الآن أتحول من أب مكلوم إلى قاتل..
* * *
لكنه لم يكن "رامي" المطلوب.. عرفت هذا حين زرت قبر ابنتي لأجد قصاصة ورق مكتوب عليها: " سأذكرك إلى الأبد.." "رامي "
إذن فعملي لم ينته.. يتبقى ثلاثة يحملون هذا الاسم.. ثلاثة سينضمون إلى ابنتي في العالم الآخر..
* * *
قبل أن يتهمني أحدكم بالجنون، أؤكد أنني حاولت كثيرًا معرفة أي "رامي" الذي يجب أن يموت.. حاولت وسألت صديقات ابنتي وفتشت في أوراقها، لكنني لم أصل لشيء..
لهذا دفع "رامي غانم" الثمن هو الآخر.. هذه المرة لم أجد سوى أن أنتظره في غرفة تبديل الملابس في النادي، فلقد كان من الطراز الذي لا يفارقه أصدقاؤه إلا أثناء النوم وفي دورة المياه.. دخول النادي لم يكن صعبًا، لكن الوصول لغرفة الملابس لم يكن هينًا.. المهم أنني فعلتها..
كان غارقًا في العرق وعضلاته تئن من مجهود المباراة التي خاضها منذ قليل.. كان هشًا جدًا وكالعادة لم يتوقع من عجوز مثلي شرًا..
لا أنكر أنني شعرت بالندم حين تدفقت دماؤه الحارة على يدي بعد أن غرست السكين في عنقه، لكن لا.. كلّما تذكرت مشهد جثة ابنتي تأكدت من أنهم يستحقون..
كل من يحملون اسم "رامي" يستحقون!
* * *
وكان طبيعيًا أن يلفت نشاطي هذا الانتباه..
اثنان في ذات الكلية يقتلان طعنًا وكلاهما يحمل ذات الاسم.. يبدو الأمر مثيرًا للشك..
هكذا بدأ الجميع في الحذر، وهكذا بدا أنه سيستحيل عليّ أن أواصل انتقامي..
لكني أقسمت ألاّ أتوقف.. تبقى اثنان يحملان ذات الاسم، أحدهما السبب في موت ابنتي، وأنا لن أتركه يعيش ويتخرج ويتزوج ويحظى بالحياة التي حرم ابنتي منها.. أبدًا..
لقد كان "رامي حسين" يعيش بمفرده في شقة صغيرة في إحدى المناطق الراقية.. لقد كان حذرًا فلم يفتح لي الباب حين زرته، بل أخذ يحدثني من وراء الباب بينما أنا أختلق الحجج ليفتح لي، ولم يفعلها إلا حين تظاهرت بأنني أصبت بأزمة قلبية، حينها لم يملك إلا أن يحملني إلى داخل شقته ليتصل بالإسعاف..
عجوز مسكين يصاب بأزمة قلبية أمام منزلك.. بالطبع ستساعده.. بالطبع ستعطيه ظهرك وأنت تتصل بالإسعاف.. بالطبع ستشهق ذاهلاً إذا اخترقت سكينته ظهرك، وبالطبع ستكون آخر كلمة ستتنطقها هي: - لماذا؟!
ثم ستهوي كأي "رامي" خر! وبهذا تبقى واحد فقط لتنتهي مهمتي.. لينتهي انتقامي..
* * *
لكن"رامي رشاد" هرب! هرب.. هرب.. هرب.. الوغد الحقير هرب.. ترك منزله والكلية واختفى.. هرب...
* * *
هكذا بدأت وحدتي..
بعد أشهر من البحث أصابني اليأس، فانزويت بمفردي في تلك الشقة التي أعيش فيها الآن.. كنت أهرب أنا الآخر..
أهرب من الماضي ومن الذكريات ومن جرائمي ومن فشلي.. و لأن النسيان نعمة.. بدأت أنسى..
لم يعد معي سوى الوحدة، وكتابي الوحيد أقرأ فيه كل ليلة.. مهما طالت الأيام ستنتهي وسأموت هنا دون أن يشعر بي أحد.. هذا ما كنت أخطط له.. حتى سمعت الخطوات..
* * *
الآن أنا على السطح والدموع تسيل على وجنتي ببطء.. لقد تذكرت كل شيء..
أمّا شبح ابنتي فمد يده تجاهي مرددًا: -أبي.. لقد انتهى الأمر..
تقولها فأنتبه إلى الجسد الذي تكوم على السطح بلا حراك.. لازلت أذكر هذا الوجه الذي أصبح الآن يحمل شحوب الموت وسخريته..
"رامي رشاد"..! لكن.. ما الذي أتى به إلى هنا ؟؟
أجابت ابنتي على السؤال دون أن أنطق به: -لقد كان يبحث عنك..
ياااااااااه..!.. لهذا السبب اختفى.. ليتتبع القاتل الذي يطارده..
لأشهر طويلة أخذ يقتفي أثري ويبحث عني ليقتلني قبل أن أقتله، وحين توصّل إلى مخبأي -بمعجزة ما- بعد عام طويل من البحث، وجد شبح ابنتي في انتظاره.. ابنتي.. أنقذتني!
غالبت دموعي لأقول بصوت مبحوح: - "رنا".. أنا.. آسف..
لكن شبح ابنتي أخذ يتلاشى ببطء أمامي دون أن تجيب.. وعلى الأرض هوى السكين الذي كان في يدها ليملأ رنين سقوطه المعدني صمت الليل.. - أنا آسف يا ابنتي..
لكنها تتركني ولا تجيب..
الآن أسمع صوت خطوات تصعد إلى السطح.. يبدو أن الجيران على قيد الحياة برغم كل شيء.. سيبلغون السطح الآن ليجدونني جوار جثة "رامي" وسيجدون السكين الملوّث بدمائه جواري.. إنها النهاية إذن..
لكن لا يهم.. لقد انتهت مهمتي ولم أعد أمقت الموت إلى هذه الدرجة..
ستكون محاكمة سريعة، بعدها السجن الانفرادي حيث أمارس وحدتي مجددًا بعدها ستكون المشنقة..
لا بأس.. كل شيء سيكون على ما يرام.. الآن أسترخي بينما صوت خطوات الجيران يقترب.. ويقترب.. ويقترب.. و..
تمت بحمدالله | |
|
sherif مشرف
عدد الرسائل : 93 العمر : 52 تاريخ التسجيل : 23/05/2007
| موضوع: رد: قصة انسانية جدا السبت مايو 26, 2007 8:56 am | |
| كيف لم ينتبه احد من الاعضاء الي هذه القصه المؤثره
ارجو تثبيتها من قبل الاداره
sherif | |
|
زائر زائر
| موضوع: رد: قصة انسانية جدا الأحد مايو 27, 2007 1:30 am | |
| |
|
AnGeL مــــــلاك الــمــنـــتـــــدى
عدد الرسائل : 473 العمر : 35 تاريخ التسجيل : 05/03/2007
| موضوع: رد: قصة انسانية جدا الثلاثاء مايو 29, 2007 8:57 pm | |
| wow It's amazing I don't know what to say but thx so much for this nice topic keep going | |
|
زائر زائر
| موضوع: رد: قصة انسانية جدا الثلاثاء مايو 29, 2007 11:50 pm | |
| |
|